الجمعة، 9 ديسمبر 2016

لن نكون آلهة

لست مهتما كثيرا بالردود.. لكنني أجد اليوم واحدا ممن يوصفون بقادة الرأي، و هو يصب جام غضبه على النخب العلمانية في العالم العربي.. و هو أمر غير مفهوم، لأنه في الواقع لا يفترض أن يكون غلام غاضبا بقدر ما يجب أن يكون فرحا منتشيا بنصر إخوانه في مصر و تونس و المغرب.. أم أن هذه طريقة جديدة للتعبير عن الفرح لدى الإسلامويين من أمثاله..
أجدني اليوم مرغما على الرد على طريقة التعبير هذه "المريبة" لأنني ببساطة لا أقبل أن يكون قادة الرأي فينا هكذا.. و لأنني أخشى غدا إذا كانت فرحة القائد السياسي الاسلاموي أكبر أن يكون التعبير أكبر من هذا التعبير اليوم.. أفترض هنا في حالة فوز الاسلامويين في موريتانيا..
ينطلق الكاتب في مقاله "المرعوبون" من تصور ضيق جدا: التقابل بين الثقافة والدين، و هذا التصور المريض مدعاة للأسى يجعلني أدعوه إلى التأسي ـ على الأقل ـ بأضرابه الفائزين هناك، و الذين لا يرون تناقضا صارخا بين الثقافة و الدين.. قصدت هنا عبارته: "ماتت الثقافة" فهي تعكس لي فهمه للموضوع بشكل واضح، لكن الأهم في هذه النقطة أنني أود لفت نظره أن "الثقافة" لن تموت حتى لو حكم الشيطان نفسه..
و أن العلمانيين لن يهاجروا عن أوطانهم، فهي دائما حاضرة في ثقافتهم و أدبياتهم حتى لو أكرهوا على مغادرتها، و على الأقل لديهم تصور واضح عن الوطن بخلاف كاتبنا الغاضب الفرح..
سأدعو الكاتب الموقر إلى التأمل معي في نتائج الربيع العربي:
·       انتخابات عمل العلمانيون و غيرهم على أن تكون شفافة، ونتائجها مقبولة بصرف النظر عن الفائز فيها..
·       حكومات ائتلافية فيها قوى علمانية كتعبير عن القبول بشراكة الآخر.. الأمر الذي لا تقبله حركتكم هنا في موريتانيا: لا أقصد على مستوى الحكم، فلم يقدر الله ذلك بعد، و إنما قصدت مستوى الاتحادات الطلابية و النقابات المهنية.. فلا زلتم تتعاملون هناك بمنطق الاستبداد و الفردانية الأحادية..
·       رئاسات حكومية إسلامية "واقعية" لا تزايد بــ"نزع فتيل الخصومة بين الدين والدولة" و تقر عمليا بضرورة العلمانية.
·       اختلاف التعامل مع القضايا العالقة من حكومة لأخرى: سأشرح هذا الاختلاف من خلال مثال واحد هو موقف الحكومات الصاعدة من العلاقة مع الكيان الصهيوني الذي طالما كان موقف الحركات الإسلامية منه موحدا و جاذبا للجماهير، ففي مصر يطمئن الإخوان الدول الغربية على مصير هذه العلاقة، و في تونس يقرر الجبالي أن "المصلحة الوطنية ستكون أساس مراجعة أي علاقة"، و في المغرب يتحاشى بن كيران الخوض في هذا الأمر لأن الأمر معقد، و لا يهم في الوقت الحالي إذ لا يجب أن يحول بين التناغم بين العرش و الحكومة.
ما قصدت من الاستطراد في هذه الأمثلة هو واقعية و ابراغماتية هذه الحكومات الجديدة التي تراها أحدثت القطيعة الثقافية، و هو أمر غير صحيح بالمرة، و لو كان ذلك بالإمكان لفعلتم قريبا من ذلك أيام حكومة ولد الشيخ عبدالله، فلماذا أكل القط لسانكم حول العلاقة مع إسرائيل.. ؟؟؟
·       اتجاه عام لهذه الحكومات نحو التعامل بمنطق العلمانية في تسيير شؤون الدولة، فأين أنت من  د. رفيق حبيب نائب رئيس حزب العدالة و الحرية الذي دعا "الكنيسة القبطية إلى الابتعاد عن دور تنظيم الناس المسيحيين، و أن على المسيحيين أن ينتظموا في حزب سياسي" أليست هذه الكلمات من نائب رئيس أكبر حزب للإخوان تفوح بعطر العلمانية؟؟ 
ثم هل أغلقت أو ستغلق النهضة الحانات و ستحاصر السواح؟؟هل أصبحت النهضة علمانية دون أن تدري؟؟
أقول دائما إن نظرتكم بعيدة كل البعد عن الواقع و حتى البشرية..
فأنتم تسعون للتأله، و تحاولون اخذ ادوار الإله في تدبير الكون و تقرير الطريقة التي يطبق بها شرعه، من انتم إذن حتى تقرروا ذلك نيابة عن الله..؟؟ إنكم تقعون في أغبى و أسوء فهم للدين في التاريخ.. إن التأله الإنساني يبدو في عصرنا الحاضر أمرا مستحيلا لأن العقل الانتقادي يبرز و يتطور .. نحن بشر يا غلام، و لن نكون آلهة..، و لن نقرر الطريقة التي يطبق بها الله شرعه العادل.. و ستصطدمون عندما تحاولون تطبيق ذلك الوهم الذي تقدمونه لأتباعكم بصخرة الواقع العصي: فلن يكون الإنسان إلها.. حتى لو حكم الإسلامويون الأرض كلها..
دعني أقل لك شيئا في الختام: أنا علماني أعلنها.. أنت علماني مستتر.

نواكشوط: 31 ديسمبر 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق