الخميس، 22 مارس 2018

حين تهان المعرفة، و تضيع الحقوق..

“حق الإضراب معترف به قانونا، و يمارس في إطار القوانين المنظمة له” (المادة 14 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية). في 2008 دخل أساتذة التعليم الثانوي في أطول إضراب لهم على مر تاريخهم، و ربما كان أطول إضراب في تاريخ كل موريتانيا، و ذلك لمدة 45 يوما،  يومها كان الإضراب حقا معترفا به، لكن السلطة “القمعية بالطبيعة” قامت بإجراء عقابي للمضربين تمثل في قطع رواتبهم مدة الإضراب، مستندة على نصوص “بائدة” صدرت في ظل أحكام لا تنتمي لحقبة الديمقراطية.
وعندما وقع انقلاب 6 أغشت 2008 تعهدت الحكومة المنقلبة على لسان وزير التعليم فيها أحمد ولد اباه بإعادة لرواتب المقتطعة إلى المضربين اعترافا منه ببطلان الإجراء الذي قامت به الحكومة السابقة، فهل كان ذلك مجرد تألف لقلوب أكثر من ألفي أستاذ، أم كان ممارسة صائبة عالجت آثار الخطأ الذي وقعت فيه الإدارة السابقة؟ في كل الأحوال ستظل تلك الواقعة الإدارية مسجلة و يمكن الاستناد إليها لمقارعة تعسف قطع رواتب المضربين.
رضي الأساتذة من الغنيمة بالإياب، و منحوا الفرصة للإدارة الجديدة و مرت السنوات ثقيلة بطيئة بفعل الأوضاع و الظروف المعيشية التي تتفاقم صعوبتها يوما بعد الآخر، ثم بدا لهم أن لا جديد في مجال تحسين ظروفهم، و يعودون لإشهار سلاحهم مجددا و دخلوا في سلسلة متقطعة من الإضرابات للضغط على الوزارة “التنين برؤوسها الثلاثة” و سائسها الحائز على رضى “عزيز”، لكن وجه الوزارة تبدل و تغير فعادت إلى الممارسة التي ردتها و هي قطع رواتب المضربين في ما يعتبر انتكاسة و تراجعا، غير أن قطار النضال المطلبي لا يتوقف، و تستمر إضرابات الأساتذة المزعجة في ظرفية صعبة على النظام الذي خرجت ضده أصوات قوية تطالبه بالرحيل، فيضمر “التنين” الانتقام من مثيري الشغب، و ينتظر حتى تحويلات بدء السنة الدراسية حيث سيقوم بتحويل 120 أستاذا 108 منهم من المشاركين في الاضرابات  السابقة، و الحجة هي: ضرورة عمل!
لماذا لم تطرأ هذه الضرورة إلا في هذه السنة؟ و في هذا التوقيت الذي سبق للسلطة أن أعلنت عن نيتها “دراسة إمكانية زيادة الرواتب”؟!
و لماذا لم تطل “ضرورة العمل” هذه سوى الممارسين لحقهم في الإضراب؟
إنها لعبة الانتقام.. إنه الانتقام و إهانة العلم و المعرفة التي يحملها هؤلاء الأساتذة و هو أمر مفهوم بالطبع من نظام لم يلتفت يوما إلى تطوير المجال التعليمي إلا ابروتوكوليا في خطب افتتاح السنة الدراسية و الزيارات الشكلية للوزراء لمباني التعليم كلما حدثت مناسبة!
أين مشروع 200 ألف طاولة مصنعة؟
كم مدرسة رممت أو أنشئت؟
كم دورة تكوينية لدعم قدرات المدرسين؟
كم بعثة دراسية للتبادل المعرفي مع الأمم المتقدمة؟
و كم من الأسئلة طرحت أو لم تطرح و لم يجب عليها في هذا المجال؟
لا يحضرني الآن سوى مشهد سيارات و باصات الشرطة أمام الجامعة أو المعهد!
الأخطر من إشباع شهوة السلطة الحالية في الانتقام و التنكيل في وجه كل من يزعجها هو قطع دابر كل تفكير بممارسة الحقوق الشرعية و منها حق الإضراب ما دامت نتائجه ستكون وخيمة إلى درجة التحويل التعسفي، و قد لاحظنا منذ فترة مساعي حثيثة لوزارة التعليم من أجل قطع دابر الإضراب و إمكانيته أو شله على الأقل، و ذلك عندما فتحت إمكانية حصول الأساتذة الميدانيين على مناصب “وهمية” في مؤسسات التعليم الثانوي مثل: مراقب مكلف بالتدريس، و مدير دروس مكلف بالتدريس، الأمر الذي جعل الكثير من الأساتذة يجد نفسها و قد أصبح محظورا عليه الإضراب لأنه أصبح “أوتوماتيكيا” في أحد هذه المناصب! و عندما يحاول التخلص من هذا الابتلاء يقال له بنوع من الضحك على الذقون: عندما ترفض هذه الترقية ستحرم نهائيا في المستقبل من أية ترقية!!
و المحصلة أن عددا معتبرا من أساتذة التعليم الثانوي أصبحوا محرومين من هذا حق الإضراب بحكم الوظيفة الإدارية، أما البقية الباقية فيبدو أن أسلوب التحويل التعسفي هو المتبع هذه المرة لتقليم أظافرهم.
و من المؤسف حقا أن نرى زملاء في المهنة يدافعون عن هذا الإجراء التعسفي في ما يكتبون، و يشبهون هذا التحويل الجماعي بتحويلات الشرطة أو الجيش أو الجمارك، فما وجه الشبه يا ترى: ألأنه تحويل جماعي فقط ؟ ! ألا يرى هؤلاء أن تحويل الأساتذة لم يجئ في ظروف طبيعية؟ فقد جاء على خلفية إضرابات للمحولين، فيما لا يحق لبعض تلك الأسلاك المقارن بها الإضراب نهائيا.
و مما يدل على تبييت الإدارة لنواياها الانتقامية إعطاؤها للأساتذة المحولين علامات سيئة تمهيدا لإقصائهم و معاقبتهم.
في أكتوبر 2008 و عندما طالبت بنزع العلامة السيئة التي أعطتنيها الإدارة إثر إضراب 2008 الذي شاركت فيه و أشعر بالاعتزاز بذلك قال لي وزير التعليم وقتذاك (أحمد ولد اباه) بالحرف: تلك علامة باطلة و سنسقطها من ملفاتكم. اليوم هل علامات الإدارة السيئة بسبب الإضراب باطلة؟ ام أنها تبطل إذا لم تقم بها الحكومة الحالية فقط !!
 النصوص واضحة لا تقبل أي قفز أو تأويل لتطبيق رغبات السلطة الشهوانية في الانتقام بدءا بالمادة الرابعة عشر من الدستور أعلاه التي تقر حق الإضراب،مرورا بالمادة 21  من النظام الأساسي للموظفين و الوكلاء العقدويين التي تؤكد على ذلك و المادتين 14 و 15 من نفس القانون اللتان ضمنتا حرية الرأي للموظفين، و عدم التمييز بينهم على أساس الرأي او الجنس أو العرق. انتهاء بالمادتين الأولى و الثانية من القانون رقم 207/  71المنظم للإضراب و اللتان تحددان شروط الإشعار بالإضراب.
و بالتالي فإن مذكرة تحويل الــ 108 من الأساتذة لا تتفق مع قوانين هذا البلد ـ إن كان ما يزال قانون معمول به هنا ـ و هي باطلة باطلة.
بقي أمر أخير أود الإشارة إليه و هو أن الدستور قد نص في المادة 102على أنه: ” تعدل القوانين السابقة للدستور عند الاقتضاء من أجل مطابقتها مع الحقوق والحريات الدستورية في أجل لا يتعدى ثلاث (3 ) سنوات اعتباراً من تاريخ إصدار هذا القانون الدستوري.
وفي حالة عدم إجراء التعديلات المقررة في الفقرة السابقة في الآجال المحددة، يجوز لأي شخص أن يطعن بعدم دستورية هذه القوانين أمام المجلس الدستوري. ولا يمكن تطبيق الترتيبات المحكوم بعدم دستوريتها.”
و وفقا لذلك فإن الوقت قد حان للطعن في قوانين السبعينيات التي لا تتفق مع دستور البلاد و قانون الوظيفة العمومية خصوصا الأحكام المتعلقة بقطع رواتب الموظفين المضربين لأنها تتنافى مع مضمون الحق الدستوري و ضمانات القانون بعدم التمييز على أساس الرأي.
لا للعبث بالحقوق الدستورية.
لا لعدم احترام القانون.
لا لإهانة حملة المعرفة.
سيد ولد محمد الامين
24 سبتمبر 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق