الخميس، 22 مارس 2018

حتى لا نُضيِّع الجهد في حروب خاسرة!

(ردا على الأستاذ محمد الامين ولد الفاضل)
ليس لي موهبة الأستاذ الفاضل في نشر 3 مقالات في أسبوع واحد، لكنني سأحوز شرف الرد على مضامين تلك الأجزاء الثلاثة من عنوانه "حتى لا نضيع فرصة 2019" في مقال واحد.
في المبتدأ، وسعيا لتشكيل أرضية مشتركة، لا ضير في أن نحدد بعض المفاهيم: فلا بد من التنبيه على أن الأحزاب السياسية جزء من النظام الرسمي للجمهورية، يعترف بها الدستور ككيانات سياسية تسعى لتأطير المواطنين من جهة، وتسعى لأخذ السلطة من جهة أخرى، وفي 2007 تم الاعتراف بما يسمى مؤسسة المعارضة الديمقراطية وأصبحت من ضمن المؤسسات الرسمية التي يخصص لها بند سنوي في الميزانية.
تعتمد الأحزاب السياسية على الإدارة الحكومية في ترخيصها وترخيص أنشطتها وجزء من تمويلها.
إن تلك الأمور تعني أن الأحزاب المعارضة جزء من النظام السياسي لهذا البلد، ولا يمكن أن نطلق عليها "معارضة" هكذا دون معرف، فهي في الواقع ليست معارضة للنظام، وإنما الدقيق أنها معارضة داخل النظام لا تختلف عن معارضة ولد محم في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فما داموا لا يعارضون طبيعة النظام المتسلطة فلا يختلفون في أي شيء عن مسانديه، الفرق فقط يكمن في أنهم يسعون للحلول مكانه.
وسوف يبرهن أداء هذه الأحزاب الذي استفاض الأستاذ في الحديث عنه أنها كانت تحافظ حتى على القوى المتمسكة بالسلطة في كل مرة (الأمثلة التي تطرق لها تظهر مد أحد هذه الأحزاب في كل مرة لطوق النجاة للنظام الرسمي بالمشاركة معه أو مساندته).
وإذا كان ذلك غير كافٍ لوصفها بأنها جزء من النظام فخذ مثلا أن هذه الأحزاب لا تناضل من أجل تغيير جوهر النظام ولا الحد من السلطوية المفرطة التي يتمتع بها على سبيل المثال رئيس الجمهورية الذي يعتبر ملكا بدون تاج وهيلمان ملكي بما يخول من سلطة مطلقة، وتأسيسا على ذلك يمكن القول بثقة أن رئيس كل حزب معارض هو مشروع رئيس دكتاتور وسلطوي ما دام لا يود مراجعة تلك الصلاحيات الواسعة!
إذن، الأحزاب السياسية المعارضة لا تعارض النظام، وإنما هي جزء من هذا النظام السياسي المتلبس بلبوس الديمقراطية بينما هو في جوهره نظام دكتاتوري متسلط، يحكم بمنطق الإكراه والقوة، ولا يتيح للمتظلم رفع صوته إلا بعد طلب الإذن بذلك. فكيف تكون هذه الأحزاب بديلا في 2019 للسلطة القائمة حاليا؟
ما هو المكسب الذي سيجنيه المواطن من مغادرة رئيس سلطوي ومجيء آخر محله ولو كان من أحزاب المعارضة، فالنظام هو نفسه..؟!
إن خطاب المعارضة يتماهى في أحيان كثيرة مع خطاب السلطة القائمة، وهو ما يجعلها في ذهن المواطن ملتبسة مع "النظام"، ففي الوقت الذي يجسم فيه النظام بعبع الوحدة الوطنية ليخيف الناس بالوهم من التحرك لأخذ حقوقهم تعمد المعارضة في نفس الوقت لتضخيم هذا البعبع متممة ما بدأ النظام من تخويف وقمع!
ليس ذلك فحسب، بل إن من ضمن قادة هذه المعارضة الحزبية فاسدون مفسدون تدرك الجماهير حقيقتهم مما أفقد هذه المعارضة مصداقيتها لديهم، ووجدت دعاية "النظام" المركزة على هذه الحقيقة المؤسفة طريقها إلى عقولهم، وبالتالي فإنهم بذلك لا يختلفون عن الطرف الآخر، فهنا مفسدون كما هم هنالك.
وفي الواقع، فإن سياسة الأبواب المفتوحة لضم كل مغاضب على الطرف الممسك بالسلطة أضرت كثيرا بمصداقية نضال المعارضة وبينت عدم جديتها في التخلص من النظام، فما الذي يجعل المفسد المنضم للمعارضة مطهرا من كل آثامه وخطاياه في حق الشعب الموريتاني؟! وما الذي يجعلنا ننتظر من قمعيين في ظل تمظهرات  سابقة للنظام محاضرات عن الديمقراطية والحرية؟!
وكيف نستخدم الأموال التي انتزعت من لقمة الفقير على يد رجل أعمال جشع لإحداث التغيير فقط لأن ذلك المرابي البشع اختلف مع أسياده الذين استخدم كل سلاح لوصولهم إلى السلطة؟!
هل يستخفون بعقولنا أم يعتمدون على قصر ذاكرتنا؟!
لم تنجح المعارضة الحزبية في تحقيق مبتغاها في الوصول للسلطة نظرا لوجود نفس إصلاحي في خطابها، ذلك النفس الذي لم يطمئن القوى المسيطرة على السلطة منذ نهاية السبعينيات (العسكر ـ رجال المال ـ النافذون الاجتماعيون)، لكن ذلك الخطاب لم يفلح في تمييزها عن خندق النظام القائم، وبما أن عملية الاختيار الشكلية عبر الصناديق كانت تحصيل حاصل لما تتجه إليه إرادة القوى المسيطرة فإن الرهان عليها يعد عبثيا (لا ينبغي أن ننسى هنا عبارة ولد عبد العزيز في 2007: "لن ينجح ولد داداه ولو صوتت له الصين" رغم أن أغلب فعاليات ائتلاف قوى التغيير كانت ملتفة حوله).
6 فبراير 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق