الخميس، 22 مارس 2018

شعب السماء..!

لربما وثقت في بعض الأحيان في معرفتي السطحية لهذا الشعب، ولكنني لن أفعل بعد الآن.. 
ذلك أن رحلة قادتني لأربع ولايات (الترارزة، لبراكنه، تكانت، لعصابه) بددت لدي الكثير من الأوهام بخصوص هذا الشعب، وجعلتني أكثر تبصرا بحقيقته. 
لاحظت بسهولة كيف يعتمد هذا الشعب بشكل شبه كامل على السماء وما تجود به من أمطار، وغالبا ما كان السؤال الأول الذي يطرح علينا بعد التحية: هل وجدتم المطر في الطريق؟! 
الموسم موسم أمطار فعلا، والسؤال عن المطر ربما يكون عاديا جدا، ولكننا خلال الطريق من روصو وحتى كيفه لاحظنا مئات الحيوانات النافقة التي لم تستطع أن تطيق الحياة عندما مانعت السماء وصلها بالمطر..
نفقت الحيوانات عندما لم تجد العشب والماء، ولم تلق بالا للأعلاف التي يقول أغلب من لقيناهم من المنمين أنها أعرضت عنها، ربما لتلاعب الموردين بجودتها..
وهكذا تعرضت الثروة الحيوانية لانتحار جماعي في انتظار وعد السماء بالمطر..!! 
وجدنا قصصا أقرب إلى الخرافية عن حجم الإبادة، ولم نصدقها طبعا لأننا نعتقد أن تدخلات الحكومة تحل دائما مشاكل الجفاف..!
هناك من نفقت المئات من قطعانه، ولم يبق له سوى 4 إلى 5 بقرات، وهناك من أنفق مئات الآلاف من الاوقية لنقل الحيوانات إلى مناطق معشبة في أقصى الجنوب.. إلخ من القصص التي لن تصدقوها..
حتى المزارعون ينتظرون المطر ؛ فقد مررنا في شمامه على مئات الهكتارات معدة ومجهزة في انتظار أن يسقي المطر البذور التي ألقيت فيها رغم أن نهر السنغال قريب جدا منها!! 
وكم كانت دهشتنا كبيرة عندما شاهدنا مدى غبطة سكان مكطع لحجار باجتياز مياه سد المدينة إلى الجانب الآخر من طريق الأمل رغم ما ينطوي على ذلك من مخاطر وتهديدات لمساكنهم، ولكن السكان فرحون جدا لأن تلك المياه تعد بحصاد معتبر، ومصادر احتياطية لشرب الحيوانات. 
شعبنا لا يشتكي، ولا يتذمر.. 
كل الأمور بخير ما دامت تمطر!! 
نحن "فاصلين ف اسحاب" وتلك بيد الله، ينزلها على من يشاء وقتما يشاء. 
شعبنا يكفيه ماء المزن ليزرع وينمي، ليفرح ويغني.. 
وعندما تبسم السماء يهجر الدور الجميلة إلى الخيام المتقشفة، يترك المكيفات والبرادات إلى "سحو اسحاب"، وتصبح البروق أجلب له للمسرة من كل أضواء المدن.. 
فتصبح المدن خاوية على عروشها لا يبقى فيها سوى من ليس لديه حيلة للخروج إلى البوادي. 
شعبنا لا يريد شيئا كبيرا من حكومة "الأرض"، وحتى الأشياء التي كان على تلك الحكومة تحقيقها من أمن وتعليم وصحة فشلت فيها، ولا زال ينتظرها من السماء: 
الله يفتح علينا وعليك.. 
يا مولانا العافية.. إلخ من المقولات التي تعبر عن الفكرة. 
يوم "يريد" شعبنا من حكومة "الأرض" ما يتطلع إليه ستزول "الحكومة"، ويتغير "النظام"، وتبرز "دولة" حقيقية.. 
ولكن شعبنا لا يزال "شعب السماء"..
كيفه: 22/08/2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق