الجمعة، 9 ديسمبر 2016

الاحتجاجات الشبابية: الطريق إلى التغيير الحقيقي

"مرارة الفشل هي ثمن بخس لتجارب الحياة، و مهما فشلت التجربة فهي تتضمن جزءا من النجاح، هذا الجزء هو نواة للتجربة التالية، و هو حجر الأساس الذي أتم عليه البناء، الذي لا يفشل هو الذي لا يعمل" الكاتب: صبحي الجيار الذي قهر العجز، و ظل يبدع من سريره رغم الإعاقة.
اليوم.. ينظر متابع الشأن العام لمسألة التظاهرات التي يقوم بها الشباب الطامح للتغيير الإيجابي للبلاد باهتمام أكبر ليس لأنها أصبحت جزءا من الواقع اليومي المعاش و تفرض نفسها بحيث يصبح تجاهلها أمرا صعبا، بل للإمكانات الكبيرة التي تتيحها في سبيل التغيير الحقيقي، أو لِنقُلْ تأثيرها العميق في الوعي الجماعي للمواطنين.
تسوق المظاهرات في مجتمع كمجتمعنا المحافظ ـ البعيد عن الثورية بكل المقاييس ـ على أنها تصرفات "صبيانية" أو "مَاهِ مطٌابْقَه" حسب التعبير الدارج، إذ أن المطالب عبر تاريخ مجتمعنا كانت تطرح بواسطة مساطر معينة و بطريقة لا تتجاوز في الغالب سياج السيطرة [الأبوية في الأسرة، المشيخة القبلية و العشائرية..إلخ]، و في عهد الدولة لم تخرج المطالبات أيا كانت ـ إذا ما استثنيا ملامح محدودة تتعلق بالحركة الكدحية و العمالية ـ من هذا القالب "المتحجر والوصائي"، فكانت المطالب الاجتماعية تمرر من خلال شيوخ القبائل أو ممثليها الحاضرين في مراكز الدولة..
غير أن متغيرات عديدة جعلت ذلك السياج الوصائي يتصدع، و فرضت قنوات جديدة من خلالها تقدم تلك المطالب، إنها متغيرات تمثلت أساسا في:
·        نمو الوعي لدى المواطن بفضل تطور الحياة نفسها، و خصوصا تطور الاتصالات و الإعلام.
·        تخلي المشيخات التقليدية عن كثير من أدوارها التي كانت تؤديه بقصد أو بدونه مما أدى إلى سعي الناس إلى مباشرة طرح مطالبهم بطرق أخرى أكثر حداثة و تحررا من تلك الربقة.
·        تداعيات الربيع العربي التي مكنت الجميع من التحقق من قدرات و إمكانيات الفعل الاحتجاجي لتحقيق المطالب.
لكن تشويها كبيرا لا يزال يحيق بالاحتجاج في موريتانيا، و يغذي هذا التشويه دعايات رسمية مركزة تصور التظاهرات التي يقوم بها الشباب الموريتاني على أنها تخريبية، و مُسَيًسَة، و أنها استنساخ لتجارب في الخارج.. إلخ من الدعايات المضادة التي تستهدف التقليل من شأن هذه التحركات الاحتجاجية مما يخدم النظام القائم الواقع تحت ضغط شعبي كبير بسبب فشله في التعامل مع المشاكل المطروحة.
آخر هذه الدعايات هي ما سوقه الجنرال "عزيز" في ألاك حيث بدأ يعزف على "نغم" طالما عزفت عليه أنظمة بائدة سبقته، و هو "نعمة الأمن" متباهيا بأن نظامه يحقق الأمن و الاستقرار.. كلام يحيل إلى فترة ول الطايع مباشرة، و يؤكد انتماءه هو شخصيا و فكريا إلى تلك الحقبة الفاسدة، و التي كان خطأنا القاتل أننا تصالحنا معها، و سمحنا لرموز الفساد فيها، و حراسها بلعب دور كبير في حياتنا السياسية.
و يأتي في نفس الإطار التشويهي لهذه التحركات الاحتجاجية اصطناع كيانات موهومة مثل "شباب ضد الفوضى" الذي يرتل في "ببغائية" تلك النغمات المموجة.
سنكررها مرة أخرى و نقول إن الشعب الموريتاني شعب مسالم بطبيعته، و قد أثبت سلميته في أكثر من مناسبة، و لن نقبل أن يمن جنرال مغامر أو انتهازي بالاستيلاء على إحدى أجمل خصائصنا و ينسبها إلى نظامه المتهاوي..
من خلق الأمن في طرقات نواكشوط و أحيائها ليلا التي لا تشهد أي تغطية أمنية رسمية؟
من حرس الأسواق و الدور في ظل الفراغ الأمني يومي 8 و 9 يونيو 2003؟؟
يقمع الأمن المظاهرات بعنف مفرط لثني الناس عن المشاركة في المظاهرات السلمية، و يحرصون على ضرب النتظاهرين بعنف و إلقاء الكثير من مسيلات الدموع عليهم و على المارة العاديين من أجل ردع المتظاهرين و من أجل خلق نقمة عند المارة الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا هناك، فيصبون سخطهم على المتظاهرين الذين تسبب وجودهم في إلحاق الأذى بهم ليغيب عن بالهم أن المتظاهرين ما خرجوا إلا من أجلهم و من أجل مطالبهم
ما الحاجة لإلقاء قرابة 20 قنبلة مسيلة للدموع في مظاهرة الــ15 من ابريل على يضعة عشرات من شباب 25 فبراير في منطقة آهلة نشطة؟؟
و لماذا يلقي الأمن في ذلك اليوم القنابل على أسطح البنوك القريبة، و منطقة "نقطة ساخنة" مزيدا من القنابل..؟؟
كيف يمكن أن يفهم سحل الفتيات الطالبات في المعهد و الجامعة، و تعذيب المتظاهرين و التنكيل بهم؟؟
إنها دعاية مضادة حتى لا تتطور أعداد المتظاهرين، لكنها في الوقت نفسه أخطاء قاتلة لهذا النظام القمعي، حيث تكشف عن همجيته في التعامل مع مطالب المتظاهرين السلميين سواء كانوا طلابا أو طالبي عمل أو أصحاب حقوق..
ستستمر التظاهرات و تزداد أعداد المشاركين فيها لأن المواطنين تتعزز قناعتهم يوما بعد يوم بفشل و عجز النظام عن حل مشكلاتهم، و لأنهم أصبحوا يشاهدون بأم أعينهم الوجه السلمي للاحتجاجات مما يمكنهم من تكوين تصورهم الخاص بعيدا عن أية دعاية، و في المقابل أصبحوا يشاهدون بكل وضوح وحشية و همجية الأمن أثناء قمعه للمتظاهرين.
الأهم من ذلك يشاهد المواطنون صدق المتظاهرين من خلال صمودهم و ثباتهم في مواجهة القمع دون أن يردوا عليه بأي شكل من أشكال العنف.. يشاهد المواطنون هذا الصمود في كل المظاهرات الشبابية التي برهنت على أنها كسرت حاجز الخوف،و لم يعد يوقفها سوى الرصاص، و آخر تلك التظاهرات الشبابية مظاهرة الــ 15 ابريل التي استغرب الكثير من المارة الذين التقيناهم من هذا المستوى الذي وصل إليه التظاهر في موريتانيا، مقتنعين بجدية المتظاهرين.
إن الاحتجاج المطلبي لم يعد حبيس العاصمة، بل تجاوزها إلى الداخل، فقامت احتجاجات لا تقل أهمية عن التي في نواكشوط،يمكن في هذا الصدد استعراض بعض منها:  مسيرة الأمل الأخير من نواذيبو إلى نواكشوط الاحتجاجية، احتجاجات العمال و الموظفين العموميين كالأساتذة، مسيرة لمذرذرة إلى تكند، الاحتجاجات في مكطع لحجار، كرو، جكني، بولنوار، أوجفت، لكريع.. إلخ.
و لقد بلغ رعب هذا النظام من تلك الاحتجاجات ـ رغم رمزيتها و محدوديتها في بعض الأحيان ـ حدا تجاوز كل الحدود المعقولة، فما معنى أن تداهم بيوت و تنتهك حرمات في حلك الليالي لاعتقال مجموعة من الشباب خوفا من أن تبدي احتجاجا رمزيا أمام رأس النظام في زيارته لمدينة منكوبة مثل مكطع لحجار؟؟
إن هذه التظاهرات الاحتجاجية تعتبر في حد ذاتها ثورة في أسلوب طرح المطالب، و تبدو اليوم للمواطن خيارا بديلا يجد فيه ذاته أكثر من الخيارات السابقة المحافظة و التي تجعله أسير الطغمة الإقطاعية الأوليغارسية تتاجر بمطالبه و معاناته.. و تسلبه الحق في الاعتراض.. إنها باختصار تجسد مزيدا من الحرية للمواطن الموريتاني الذي لم يعانق بعد آماله في الحرية و العزة و الكرامة.
و من هذا المنطلق فإن أي مهتم بالشأن العام عليه أن يدرك أهمية هذه التظاهرات الاحتجاجية باعتبارها محررا للمواطن من قيوده، و وسيلة ضغط أكثر حداثية و تقدمية لتحقيق مطالبه، و لذلك فإن علينا جميعا أن لا نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الظاهرة، فلنساهم بتغيير النظرة إليها و التصدي للتشويه المتعمد لها.
أود أن أخلص في الأخير إلى أن تجربة التظاهر التي دشنها الشباب الموريتاني منذ أكثر من عام
في 25 فبراير 2011 لم تفشل ـ و إن بدا أنها كذلك ـ و التي كانت ساحة بلوكات ميدانا لها، إذ ظلت تلك التجربة حاضرة في أذهان المتظاهرين فيما بعد متمثلين تلك الأيام بحلوها و مرها، بأخطائها و منجزاتها.
أعتقد أنه مثلما كانت تحركات الإيطاليين الفاشلة في ثورة فبراير 1848 التي ظلت مصدر إلهام لهم لأنها جسدت وحدة آمالهم رغم تفرقهم السياسي حتى انتفضوا فيما بعد و حققوا أحلامهم في الوحدة السياسية فستكون تجربة بلوكات ـ باعتبارها فاتحة عهد التظاهرات المطلبية ـ بالنسبة لشعبنا إذا قدر له أن ينجح في ثورته على الظلم و الفساد.
سيد ولد محمد الامين 
ابريل 2012 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق